بالتعاون المشترك بين كرسي اليونسكو لِلحوار وكلية التربية بجامعة الكوفة وجامعة برمنجهام البريطانية ومؤسسة الرواق للثقافة والتنمية، عُقِدت في يوم الأحد (5 تشرين الثاني 2023) ندوةٌ علميّة بعنوان «الصابئة المندائيون، تاريخهم وتراثهم الثقافي والديني وارتباطهم بحضارة وادي الرافدين»، حضرها رئيس جامعة الكوفة وعدد من عمداء الكليات والشخصيات الأكاديمية وطلبة الجامعة.
وقد نوقشت في الندوة جملةٌ من الأوراق البحثية لخمسةٍ من الأساتذة والأكاديميين في جامعة الكوفة وبغداد وبابل، حيث تناول أستاذ اللغات السامية بجامعة بغداد «الدكتور حيدر حسن عبيد» في ورقته الاشتراك اللغوي بين اللغة المندائية واللغات السامية، مبيّناً أن الجانب الصوتي في اللغة المندائية يشير إلى اتفاقها مع سائر اللغات السامية بامتلاكها جميع الأصوات والتي تصنّف على وفق مخارج النطق، فضلاً عن حدوث حالات الإبدال الصوتي فيما بين تلك اللغات. وأوضح مدى التقارب والاشتراك اللغوي شبه المتكامل بين اللغة المندائية واللغات السامية بشكل عام وبالأخص مع اللغة السريانية، حيث نجد تطابقاً تاماً إلى حدّ ما في أغلب النواحي اللغوية.
وقد تحدّث الأستاذ الضيف الآخر في اللغة السريانية من جامعة بغداد، الدكتور «بهاء عامر عبود» في محاضرته عن أواني الأحراز المندائية، مبيّناً أن تاريخ نصوص الأواني يعود إلى القرنين السابع إلى التاسع الميلاديين، وهي تختلف عن لغة الـ«كنزا ربّا» الكتاب المقدّس لدى الصابئة المندائيين، فمن خلال ما نشر من نصوص مندائية ومن مشاهدات المنفيين يتضح أن الأواني وجدت مدفونة تحت عتبات البيوت أو أرضيات الغرف بصورة منكفأة مفردة أو مركبة، ولم ترد أية إشارة لوجودها مدفونة في المقابر.
فيما عنت ورقة الأستاذ الدكتور تحسين فاضل عباس (مستشار كرسي اليونسكو بجامعة الكوفة) بمسألة تسمية الصابئة ونظرة القرآن الكريم إليهم، موضحاً أن القرآن الكريم وبحسب ما جاء في الآية 62 من سورة البقرة أثبت التعددية في الأديان والأمم والشرائع، فمعيار النجاة عند الله هو الإيمان (التوحيد) والعمل الصالح، بصرف النظر عن نوع الدين.
فيما تناولت الورقة الرابعة اللغةَ المندائية والتي كانت لأستاذ اللغات السامية بجامعة بابل الأستاذ المساعد مازن محمد حسين، إذ بيَّنَ أن اللغة المندائية تقع ضمن مجموعة اللغات السامية، ويضعها الباحثون اللغويون ضمن فئة اللغات السامية (الآرامية الشرقية)، وقد تطرّق أيضاً إلى الألفاظ المشتركة بين العربية والآرامية، ومنها المندائية، إذ نستعملها في مختلف مناحي الحياة، مشيراً إلى الأدلة التي تؤكد الارتباط الوثيق بين الحضارة الرافدينية وهذا المكوّن الأصيل، والذي يتمثّل في الألفاظ المستعملة والمنطوقة اليوم في اللهجة العامية العراقية.
وقد عنت الورقةُ الخامسة لأستاذة اللغات السامية بجامعة بغداد الدكتورة أشواق نصرت جاسم بالتراث الديني لدى الصابئة المندائيين، مؤكّدة أن جذور الصابئة المندائيين في العراق، وهو موطنهم الأصلي، وهو أرض الأنهار المقدّسة، نهرا الفرات النوراني (أي من الجنة) ودجلة الخير. وقد اصطبغوا فيها منذ آلاف السنين، منذ سلالة النبي آدم، وما زالوا يصطبغون بصبغة الله، ويشربون الماءَ المقدّس منها (ماء الحياة)، وإن محافظة ميسان (العمارة) من عمارة النبي شيتل بن آدم، وإنّه يمثّل دليلاً على قدم ديانة الصابئة المندائيين، بالإضافة إلى أن ميسان كانت أول مملكة للصابئة المندائيين (القرن الثالث قبل الميلاد)، في حضارة ما بين النهرين، حيث برز فيها كثير من العلماء في الميادين كافة، لا سيما في اللغة والشعر والترجمة ونسخ الكتب والمخطوطات الدينية والرياضيات والفلك والهندسة والطب الشعبي.